الابتهالات الدينية .... ظاهرة مصرية أصيلة

0

الابتهالات الدينية .... ظاهرة مصرية أصيلة


الابتهال فن مصري خالص ارتبط بحب الله وبالصفاء الروحي والسمو بالذات‏.


ولقد اختلف المؤرخون في نشأة الابتهال كتراث شعبي لتعدد الرؤي حول جذوره ليرجعها البعض للعصر الفرعوني والبعض للعهد الفاطمي‏.


وحول تعريف الابتهال يقول د‏.‏ عمرو ناجي الحاصل علي درجة الدكتوراه في صياغة أسلوب أداء الابتهال إن كلمة ابتهال تعني في المعاجم‏ :‏ الإخلاص في الدعاء‏،‏ وهو لون فني ضارب بجذوره في التراث المصري‏.


ويقول د‏.‏إبراهيم النواوي أستاذ علم الآثار إنه ظاهرة مصرية أصيلة راسخة في وجدان المصريين منذ العصور القديمة كاحتفالات الآلهة رع وآمون وإيزيس التي صورتها لنا جدران المعابد بالتفصيل لنشاهد فيها حاملي الأعلام والعازفين والمنشدين بمصاحبة مجموعات موسيقية‏،‏ ويتفق د‏.‏علوي أمين خليل الأستاذ بجامعة الأزهر والدارس لعلم البرديات مع ماسبق‏،‏ مؤكدا أنه وجد في كثير من البرديات نصوصا دينية تحمل الدعاء والابتهال إلي الإله الخاص بكل حقبة‏.


ويضيف محمد عمران أستاذ الموسيقي الشعبية بأكاديمية الفنون صاحب دراسة الثابت والمتغير في الإنشاد الديني ـ أن فلسفة وثقافة الابتهال ـ كتراث شعبي ـ ممتدة من العصور القديمة‏،‏ كما وجد ذلك في المعبد القديم‏،‏ ولكن اصطبغت تلك الفلسفة بصبغة كل دين ظهر علي أرض مصر‏،‏ وحينما جاء الإسلام تبلورت ودخلت في فلسفته‏.‏ 


وعلي ذلك فإن فن المدح والابتهال كان موجودا منذ عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم تطور بعد ذلك وتعددت أشكاله مثل التي نراها اليوم‏.‏ 


ويضيف د‏.‏عمران‏:‏ أن الابتهال والانشاد هو أغني أنواع الأداء الموسيقي سواء في المقامات أو أسلوب الأداء‏،‏ فهو يعتبر مصدرا للتعلم‏،‏ حيث استقي كل من الشيخ أبوالعلا محمد وسلامة حجازي وزكريا أحمد وسيد درويش وأم كلثوم معطيات الموسيقي ومفرداتها من معين الابتهال الديني‏.‏ 


ويصف د‏.‏عمران حالة الابتهال الآن بمرحلة‏(‏ الاضمحلال‏)‏ ويرجع أسباب ذلك إلي أنه لم يعد هناك من المناسبات مايستوجب أداء الابتهال‏،‏ وكذلك التغير الثقافي من إزاحة وإحلال‏،‏ فبدلا من مدرسة المشايخ أصبح الآن المعاهد الموسيقية‏،‏ والمساحات الضيقة في وسائل الإعلام المختلفة‏،‏ وإن وجد شيء فهو مبتسر ومجزأ وغير متقن‏.


ويقول الشيخ محمد الهلباوي ـ أشهر المبتهلين الآن وهو أيضا باحث في الاستخدامات الصوتية الدينية وأول من قدم الابتهالات علي موسيقي غربية ولذلك لقب بـ موزار ومثل مصر في كثير من المهرجانات الثقافية العالمية إن الابتهال الديني بدأ في أواخر القرن الـ‏19‏ وأوائل القرن الـ‏20‏ مع مايسمي بـ عصر المشايخ الأعلام منهم الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب‏.‏


ويفرق بداية الشيخ الهلباوي بين الموشح والتوشيح الديني‏،‏ حيث إن الموشح الذي اخترعه إبراهيم الموصلي وإسحاق الموصلي في العصر العباسي‏،‏ تلاهما أبوالحسن عبدالرحمن بن رافع ولقبه زرياب هو عبارة عن كلام في الغزل وليس كلاما دينيا‏.‏ 


أما بالنسبة للصياغة اللحنية لهذا الموشح فهي من مقامات كثيرة ويحدث الانتقال من مقام إلي آخر‏.‏ أما التوشيح الديني فيأخذ شكل التنوع المقامي مع الشعر الديني بمقامات مختلفة بحسب الذي يقال سواء كان دعاء أو مديحا‏.‏ 


وقد برع في ذلك الفن ـ في عصر المشايخ ـ مع الشيخ المسلوب كثير مثل‏:‏ درويش الحريري‏،‏ وإسماعيل سكر‏،‏ وعلي محمود‏،‏ وطه الفشني وكانت لهم صياغة لحنية رائعة‏.‏ 


وتطور الابتهال بعد ذلك مع بداية تأصيل الموسيقي الشرقية في مصر وظهور الربع تون والثلاثة أرباع التون‏،‏ ثم واصل تطوره بعد ذلك بالارتكاز علي الجملة المكررة مع التطريب الفائق ثم التنويع في الألحان‏.‏وعن مفردات الابتهال يقول‏:‏ إنها تتكون من النص والصوت الحسن والنغم والارتجال‏،‏ أما مصادره فمتنوعة إما شعرا دينيا أو صوفيا أو حكما أو دعاء‏.‏


ويدخل هذا الفن ـ كما يوضح الشيخ الهلباوي ـ ضمن أنواع المدائح المتنوعة مابين صوفي وهو أعرقها والتواشيح الدينية وتكون بين الشيخ والبطانة‏،‏ والابتهالات وتكون بالارتجال والألحان الفورية‏،‏ والغناء الديني ويكون إما بالعربية الفصحي أو العامية‏،‏ وأيضا المديح الشعبي الديني وهو منتشر في صعيد مصر والأقاليم‏.‏ 


وعن أبرز المبتهلين يقول د‏.‏عمرو ناجي‏:‏ من مدرسة المشايخ تفوق الشيخ علي محمود‏1878‏ ـ‏1949‏ الذي كان من أساتذة الملحن زكريا أحمد‏،‏ وكان يلجأ إليه الموسيقار محمد عبدالوهاب كلما واجهته مشكلة لحنية خاصة في التنقل بين المقامات‏،‏ وأخذ عنه كثيرا من الجمل الموسيقية‏،‏ وأيضا الشيخ إبراهيم الفران والفيومي‏.


ثم جاء من بعدهم من أضاف وطور مثل‏:‏ سيد النقشبندي‏،‏ ونصر الدين طوبار‏.‏ ويطالب في النهاية د‏.‏ عمرو ناجي ـ ومعه الشيخ الهلباوي والشيخ علي الحسيني وهو من شباب المبتهلين ـ المسئولين عن هذا الفن بالمحافظة عليه باعتباره مظهرا من مظاهر الثقافة الإسلامية له بصماته وتأثيره في الثقافات الأخري وإنشاء مدارس خاصة لتعليم الإنشاد الديني خاصة بعد ظهور مدارس له في الخارج مثل إيران وتركيا وسوريا والمغرب.


رابط المقال الأصلي

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)